عندما تعجز الدولة
عن فرش شارع بالسبيس لان لاتوجد تخصيصات ... ثم ياتي شخص يقوم بهذا العمل .. ولم
يسأله احد .. من اين لك هذا ... فهذا في عرف العقلاء سارق للمال العام ...
كثير من امثال هؤلاء
مرت بهم كتب التاريخ ومجدتهم لاعمالهم
الخيرية دون ان يتجرأ احدهم و يتهمهم بانهم يتصرفون باموال الي خلفوهم ..
السلطانة مهرماه –
الابنة الوحيدة للسلطان سليمان القانوني – قامت باعمال بر وتقوى كبيرة جدا سعيا الى
نيل رضوان الله تعالى و اداراك شفاعة نبيه صلى الله عليه و سلم دون ان يتجرأ احد ويقول لها من اين لك هذه
الاموال ..
في منتصف القرن
السادس عشر تعرض مجرى الماء الذي انشأته زبيدة زوجة الرشيد الى فيضانات وعواصف
ترابية ادت الى هدم وطمر اجزاء كبيرة منه.. هذا المجرى الذي اطلق عليه قناة زبيدة كان بمقدوره ان يوصل الماء الى عرفات فقط لاسقاء الحجيج والمعتمرين .. مما اضطر الحجاج
بعدها الى ان يقوموا بشراء الماء باسعار
باهضة.. بادر شريف مكة المكرمة عام 1562م الى ارسال خطاب الى عاصمة الدولة العلية لغرض
إصلاح هذه القنوات , امر سليمان
القانوني بتشكيل لجنة تضم قاضي مكة "
عبدالقادر ابن علي مغربي " و معه " خير الدين بك " القائم بأعمال
جدة لحساب التكلفة المالية اللازمة لذلك .... قدرت اللجنة انه يلزم مبلغ ثلاثين ألف قطعة ذهبية من أجل
اصلاح قنوات المياه و ازالة العوائق التي تحول دون وصول الماء و أيضا من اجل عمل
قنوات جديدة للمياه يتم الاعداد لها ..وكان المبلغ كبيرا يثقل كاهل الدولة .. ولكن
السلطانة مهرماه قررت ان لا تحمل ميزانية
الدولة اعباء مالية .. وان تتكفل بالعمل
قربة الى الله تعالى .. فتبرعت بمبلغ خمسين ألف قطعة ذهبية وعينت دفتر دار مصر القديم " ابراهيم بك
" ليكون مسؤولا عن تنفيذ الاصلاحات المزمع اجراؤها و دفعت السلطانة مهرماه
مبالغ من النقود الفضية ..
بدء العمل عام 1563
حيث قام ابراهيم بك باستخدام 400 مهندس لغرض بناء فناء مسور من أجل اجراء
التعديلات واتسع نطاق العمل باشراك العمال و الخبراء ليصل عدد العاملين في مدة
وجيزة الى ما يزيد عن الف شخص . واستمر الاعمار واعمال التصليح مدة عشر سنوات بلا انقطاع لينتهي عام 1573..وعندما نفذ الحديد و الصلب الخام الذي
جلب من مصر سابقا لأجل البناء فقد طلبت كمية اخرى من اسطنبول وصلت عام 1568م كما نقلت باقي المواد
المطلوبة الى مكة المكرمة عن طريق مصر ومع انتهاء عملية الاصلاح عام 1573م نظم
المفتي " الحسيني " حفل افتتاح كبير .. دعي فيه للدولة العثمانية
وللسلطانة مهرماه..
ووفق هذه المرحلة من الاعمار فان كمية المياه التي وصلت الى مكة المكرمة زادت بشكل واضح .., كما تم عمل
سبل عامة متنوعة في كل مكان من مكة , و أصبحت المياه تصل الى الاحياء الداخلية بمدينة مكة المكرمة مخترقا الهضاب الصخرية التي بين مكة و عرفات ..و
تشير المصادر ان المبلغ الذي انفقته السلطانة
مهرماه تجاوز 100000 قطعة ذهبية
مايعادل اليوم وبحسب الخبراء اكثر من 25 مليون دولار...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق